تقدم معنا في مقال سابق أن العرب قبل
الإسلام كانوا في شر حال، والخلل داخل في جميع نواحي حياتهم ، ومن ذلك الحياة
الفكرية والاجتماعية والأخلاقية، وسنقف على مايتعلق بحال شبة الجزيرة العربية
من الناحية الفكرية والاجتماعية في الأسطر التالية :
1
- الحياة الفكرية: يتكلم سكان شبه جزيرة العرب اللغة العربية , وتنتمي إلى مجموعة اللغات السامية ,
بل هي أقدمها . وأقدم نقوش عثر عليها باللغة العربية ترجع إلى القرن الرابع
الميلادي . وقد قامت حركة أدبية شفهية واسعة شعراً ونثراً , صاحبتها حركة نقدية
للخطب والأشعار التي كانت تلقى في الأسواق الجاهلية (عكاظ , المربد , مجنة ...) ,
وقد ساعدت هذه اللقاءات الأدبية على توحيد لغة العرب , حيث سادت لغة قريش التي نزل
بها القرآن . فتمكن العرب جميعا من فهمه لما حدث من تقارب في لغتهم ولهجاتهم .
ويفصح شعرهم وخطبهم قبيل الإسلام عن براعة أدبية وتوسع لغوي وذوق للمعاني مما يدل
على الرقي والازدهار الأدبي مما هيأ للمعجزة البيانية للقرآن حيث تحداهم فيما
يجيدون من صناعة الكلام وبلاغة التعبير ورهافة الشعور وقوة الحس .
وقد أنجز القرآن وحدة العرب اللغوية عندما قرؤوه باعتبار أول كتاب مدون في تاريخهم
بعد تاريخ أدبي محفوظ . ومن الجدير بالذكر أن العرب لم يتأثروا بالفلسفات
اليونانية والقوانين الرومانية , ولم تنشأ بينهم مدارس فكرية معقدة , فكانوا
مهيئين لتلقي الرسالة الإسلامية وحملها بنقاوتها وصفائها دون أن تشوبها أو تدخلها
أفكار أجنبية فكان ذلك من تهيئة الله تعالى الظروف الملائمة لاستقبال العرب لرسالة
الإسلام .
2
- الحالة الاجتماعية والأخلاقية:تعتبر القبيلة هي الوحدة الاجتماعية في بلاد العرب , وتتكون من :
الصليبية : وهم رجال القبيلة الذين تربطهم روابط الدم , فهم ينتمون إلى سلف واحد .
والحلفاء : وهم رجال أو قبائل صغيرة انتمت إلى القبيلة لاحتماء بها .
والعبيد : ومصدرهم أسرى الحرب أو الشراء .
ويرأس القبيلة شيخ يتصف بالحكمة والشجاعة والكرم , وعادة يكون كبير السن . ويجتمع
أعيان القبيلة حول الشيخ في خيمته أو بيته لتدارس شؤون القبيلة ومصالحها ,
والتحكيم بين أفرادها عندما يقع بينهم خلاف , وبذلك تمارس الشورى بنطاق محدود .
وقد تتحالف عدة قبائل كبيرة ضد قبائل أخرى , أو للقيام بمهمة ما ، كما حدث في مكة
في حلف الفضول , أو تعقد بينها معاهدات " إيلاف " تضمن سلامة الطرق
التجارية كما في إيلاف قريش مع القبائل العربية التي تسكن على إمتداد تلك الطرق .
وقد استمرت الحروب بين القبائل العربية حتى غلب الإسلام عليها , مثل حروب الأوس
والخزرج في المدينة , وبكر وخزاعة قرب مكة وكان العربي قبل الإسلام يتزوج عادة
بامرأة أو أكثر دون تحديد , ولم يكن الحجاب شائعاً بين النساء , ووجد الاختلاط بين
الرجال والنساء , ولكنهم سمّوا من يكثر من مخالطة النساء " بالزير ".
وكانت أنواع الزواج تأخذ صيغاً مختلفة منها الزواج بخطبة ومهر وهو الشائع بينهم
وقد أقره الإسلام , ومنها صيغ أخرى حرمها الإسلام . وفي الغالب كان الأبوان يزوجان
البنت دون أن يكون لها رأي , وقد منع الإسلام ذلك .
ويحب العربي إنجاب الأبناء ويكره البنات , لقدرة الذكر على القتال , وحماية
القبيلة من أعدائها , والقيام بالغزو للآخرين . في حين لا تشترك النساء في الحرب ,
كما أنهن عرضة للسبي . وكانت بعض القبائل تمارس عادة وأد البنات بدفنهن عند
الولادة , وهي عادة كانت تشيع في أمم أخرى عاصرتهم بنطاق واسع , وكان الدافعان
الرئيسيان للوأد هما خوف العار والفقر . وقد عرف العربي قبل الإسلام بالكرم
والشجاعة والصدق والصراحة والعفو عند المقدرة , وحب الحرية , والحفاظ على العرض ,
والذود عن الحمى , وقد أكد الإسلام على هذه الصفات و أثنى عليها , كما عرف
بالتفاخر والغطرسة والكبرياء , وبالغزو وقطع طرق القوافل ونهبها وطلب الثأر مهما
طال الزمن وشرب الخمور , وقد حرّم الإسلام ذلك . ويهتم العربي بنظافة بدنه ودهن
شعره وتمشيطه وضفره وبخضاب الشيب بالحناء والوسمة والزعفران والتطيب بأنواع الطيب
لكنه يهمل ذلك كله عند طلب الثأر .
وهذا العرض الإجمالي للأوضاع السائدة في شبه جزيرة العرب
يوضح أحوال البيئة التي بزغ فيها فجر الإسلام وسطعت من خلاله أنوار الوحي على
العالم كله وفي مقدمته بلاد العرب التي ظهر منها رسول الإسلام محمد بن عبد الله
عليه أفضل الصلاة والسلام .
من
عادات الجاهلية: يحكى أنه كان في سالف العصر
و الأوان حاكم ظالم و كان له ولد خرج ذات صباح يريد صيد السمك و كان برفقته عدد من
الحراس و الخدم و في طريقه إلى البحر التقى رجل مسكينا حافي القدمين و علاوة على ذلك
فهو أعور.
فقال الولد ما رأيت من أعور
إلا و كان نهارا اسودا فأجابه بعد اعتذار ماذا فعلت بك يا سيدي حتى ألقى من
الإهانة ملا يرضيني صباحا أم أن الفقراء ليسوا أكثر من نذراء شؤم على أصحاب الجاه
و الترف .
فقال الولد مخاطبا جنوده:
خذوه إلى المملكة و أحبسوه، حتى أتدبر
أمره حين أعود من رحلتي ثم مضى إلى حال سبيله فاصطاد سمكا كثيرا فلما عاد إلى
القصر أمر الحراس بإطلاق صراح الأعور فقال الأعور: أتسمح لي بالكلام قبل أن أنصرف.
قال الولد: قل ما شئت فأنك
آمن فقد عدت بصيد وافر، فقال الأعور: لقيتني فأمرت بحبسي و ضربي من غير ذنب و
لقيتك فرزقك الله صيدا وافرا فمن كان مرآه شؤما على صاحبه؟ قال الولد صدقت و أمر
بمجازاته على الدرس الذي أعطاه إياه و
تعلم أن هذه العادة عادة سيئة فهي من عادات الجاهلية و عزم على التخلص منها .