مقالة حول وظيفة الانفعال (تأثير الانفعال على سلوك الإنسان)
الأسئلة:-يقال إن الهيجان عائق لنشاط العقل؟ ما رأيك؟ -هل الهيجان تكيّف أم انحراف؟-هل الانفعال ضرب من السلوك المفيد؟-يقال الهيجان مصدر الإبداع والفن؟ كيف تفهم هذه العبارة؟-هل السلوك الانفعالي
المقدمة :تُحرّك الإنسان مجموعة من الدوافع والرغبات يحاول إشباعها من أجل تحقيق التوازن مع ذاته ومع المحيط الخارجي وإذا عجز عن إشباعها أو منعها يشعر بالاضطراب وهذا ما يعرف عند علماء النفس بـ"الانفعال" غير أن [وظيفة الانفعال وتأثيره على السلوك] مسألة جدلية اختلفت فيها آراء الفلاسفة والعلماء ويمكن صياغة ذلك في الإشكالية التالية:هل الهيجان تكيّف أم انحراف؟وبتعبير آخرهل الهيجان عائق لنشاط العقل؟
الرأي الأول (الأطروحة): ترى هذه الأطروحة أن [الانفعال انحراف في السلوك] وهو عامل تهديم لشخصية الإنسان على المستوى (العضوي, النفسي, الاجتماعي) فهو يحدث اضطرابات عنيفة في الجسم يصعب التحكّم فيها يشوّش الفكر وتضطرب له النفس ويهدّم العلاقات الاجتماعية, حيث لاحظ العلماء ارتفاع دقات القلب لتصل إلى 150 نبضة في الدقيقة فتتسع الأوعية ويشعر المنفعل بالحرارة وتظهر عليه علامات الاحمرار وهذه حالة خطيرة قد تسبّب السكتة القلبية أو الجلطة الدماغية, كما أن العصارة المعدية تتراجع إلى 90% فتتوقف حركة الهضم والأمعاء, وتُؤكد البحوث العلمية أن أصحاب المزاج الانفعالي هم أكثر عرضة لأمراض الجهاز الهضمي وتشبه حركة المنفعل المجنون والسرّ في ذلك تغيّر النشاط الكهربائي حيث [تتلاشى موجات آلفا ويحلّ محلّها موجات دلتا], ولخص الدكتور"يوسف مراد" تأثير الانفعال على العقل فقال {في الانفعال مستوى النشاط الذهني يكون أقل تماسكا وجودة من مستوى الشخص العادي الضابط لنفسه} ومثال ذلك إخفاق الممتحن في الإجابة عن الأسئلة والسبب في ذلك انفعال الخوف, ويرى الفرنسي "جون بول سارتر" أن المنفعل يضفي على الأشياء طابعا سحريا يدل على غياب التفكير العقلاني فقال{إن الهيجان سلوك سلبي وفاشل فهو عدم انسجام الذات مع الموضوع} ومن الأمثلة التي توضح ذلك ظاهرة الإغماء التي تدلّ على شخصية ضعيفة عاجزة عن مواجهة الموقف مواجهة موضوعية, ولاحظ "بيار جانييه" أن المنفعل تصدر عنه تصرفات غير إنسانية مثل السبّ والشتم وهي تصرفات عشوائية تعبّر عن اختلال في التوازن بين الفرد والمحيط الخارجي وأكّد على ذلك بقوله {الانفعال اضطراب في السلوك يعبّر عن الفشل فيه يتلاشى السلوك الإنساني المهذّب وينزل به إلى مرتبة حيوانية} وملخص الأطروحة {الانفعال يترك آثاراً سلبية على كامل شخصية الإنسان}
نقد (مناقشة):هذه الأطروحة تحدّثت عن سلبيات الانفعال لكنّها تتجاهل دور العقل في التحكّم في الانفعالات والاستفادة منها.
الرأي الثاني (نقيض الأطروحة):ترى هذه الأطروحة أن متلف أشكال الانفعال تساهم في بناء وتطوير شخصية الإنسان فعلى المستوى الاجتماعي تنقل انفعالات الإنسان من حالة الهدوء إلى حالة نفسية حركية فيها تزداد وتتسارع الصور في ذهن المنفعل ممّا يُهيّئ نفسية الإنسان للإبداع وهذا ما أكّد عليه "بارغسون" {الانفعال مصدر الإبداع والفن, فالعلماء الذين يتخيّلون الفروض العلمية والقديسين والأبطال الذين يجدّدون المفاهيم الأخلاقية لا يبدعون في حالة جمود الدم بل في تيار نفسي ديناميكي} وتفسير ذلك أن الانفعال ينقل الإنسان من مستوى الأنا السطحي إلى مستوى الأنا العميق الذي يشعر فيه بالحرية والاستقلالية والحرية شرط الإبداع, ويرى "ألفرد ديموسييه" أن مقياس الإبداع هو صدق العواطف وتجربة الألم تمكّن المبدع من الوصول إلى أعمال خالدة {فلا شيء كالألم العظيم يجعلنا عظماء ونحن مدينون للألم بأحسن آثار الفن وأجمل الألحان} وتاريخ الأدب العالمي يقدّم أمثلة كثيرة عن صدق هذه الفكرة فـالخنساء مثلاً لم يُخلّد اسمها في الشعر إلا من خلال القصائد التي جسّدت فيها حزنها على أخيها صخر, على المستوى العضوي يزداد النشاط البدني في حالات الخوف والانفعالات القوية وتفسير ذلك أن الغدة الكظرية تفرز مادة الأدرينالين ويرى "كانون" أن هذه المادة تنشّط الجسم وتمنحه طاقة إضافية لمقاومة الموقف المفاجئ, وعلى المستوى الاجتماعي الإنسان يتعامل مع غيره والتكيّف مع مواقف الفرح أو الحزن يحتاج إلى انفعالات صادقة هذه الأخيرة عبارة عن رسائل ذات محتوى اجتماعي تدلّ على التضامن وهذا ما قصده "كارويرا" بقوله{الهيجان وسيلة للتكيّف مع الظروف المفاجئة}
.نقد (مناقشة):إن هذه الأطروحة لا تتحدث عن تأثير الهيجانات (الانفعالات) القوية التي تتجلى في الأكثر في صورة إنهيار عصبي.
التركيب: حقيقة وظيفة الانفعال ترتبط بمدى فهمنا لـطبيعة الإنسان فالسلوك الانفعالي محصّلة لعاملين التصورات والاستجابات حيث تتدخل التربية لتحديد الوسائل والغايات, فيصبح الموقف الانفعالي ايجابي إذا اقترن بتصورات صحيحة وكما قال "هنري فالون" {الانفعال يخلق فينا مشاركة وجدانية وتعاطفا مع الغير} وعندما تعجز ثقافة الفرد وخبرته عن استيعاب هذا الموقف يتحوّل إلى سلوك فاشل وهذا ما أشار إليه "أتوبنغر" {الفرد نموذج من بيئة ثقافية هي التي تحدد شخصيته ودرجة انفعاله}.I-الخاتمة: ومجمل القول...الانفعال ظاهرة سيكولوجية معدة وهو [تعبير عضوي ونفسي عن حالة وجدانية يرتبط باللذة أو الألم, ويؤثر في السلوك] والانفعال صورة تعبّر عن الشعور بالاضطراب وهو درجات تختلف بحسب الشدة والحدة ومهما يكن فقد طرح هذا الموضوع العديد من الإشكاليات أهمها [وظيفة الانفعال وتأثيره على السلوك] حيث ذهب البعض إلى اعتباره حالة من حالات عدم التكيّف وعدم انسجام الفرد مع المحيط الخارجي بينما البعض الآخر تحدّث عن الجوانب الايجابية, سيكولوجيا وفيزيولوجيا واجتماعيا, ومن منطلق فلسفي ورؤية نقدية لطبية الإنسان نستنتج :وظيفة الانفعال تتوقف على مدى نضج الشخص ودرجة ثقافته وتربيته.
الأربعاء مايو 22, 2013 1:14 pm
